تقول المصادر التاريخية أن مما خطه ترهاقا على مسلته التي وثق فيها أبرز إنجازاته خلال فترة حكمه التي امتدت ما بين 690 – 660 قبل الميلاد، أن إنجازاته تضمنت إقامة حزام أخضر واقي حول الكوة (في الضفة الشرقية للنيل جنوب كرمة) لحمايتها من زحف الصحراء. وبالرغم من أن المصادر التاريخية لم تذكر يوماً محدداً أو شهراً أو سنةً معينة لبدء غرس هذا الحزام -الذي ربما كان أول حزام واقٍ تم إنشاؤه لحماية مدينة من زحف رمال الصحراء- إلا أنني أقدر أن تاريخ بدء غرس هذا الحزام كان في حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم 3 أغسطس عام 689 قبل الميلاد. ولا بد لي هنا من المسارعة بالإعتراف إلى أنني لا أملك سنداً تأريخياً لتاكيد موعد غرس هذا الحزام بهذه الدقة، ولكني أعتمدت في تقديره على أمرين. الأول هو أن عظمة الملوك السودانيين القدماء (ترهاقا وخلفه شابكا) الذين حكموا السودان ومصر وفلسطين، لم تكن تقوم فقط على عناصر شخصياتهم الكارزمية وحدها، أو مواهبهم العسكرية فقط، بل أنها كانت -علاوة على ما تقدم- تقوم على جلائل أعمالهم وبعد النظر الذي يتمتع به كل منهم كحاكم راشد. فمن جلائل أعمال ترهاقا التي تدلل على بعد نظره إقامة هذا الحزام الواقي لمحاربة الزحف الصحراوي والتصحر. ومن جلائل أعمال الملك شابكا في مصر أنه استبدل كل حكم بالإعدام بالسجن والأعمال الشاقة، فسخر المساجين في مصر لعمل جسور حول المدن والقرى عندما يفيض النيل بمعنى أنه عمل عملاً إجتماعياً للسجون والمساجين. عليه يمكن القول أن الأعمال الإجتماعية والبيئية كانت على رأس أولويات أجندة أولئك الملوك العظام. فلا بد إذن أن يكون ترهاقا قد فكر في إقامة حزامه الواقي لحماية الكوة من خطر زحف الصحراء فور تسلمه مقاليد الحكم. ولكن لما كانت عملية إقامة الأحزمة الخضراء تتطلب تربية للشتول وإعداد الأرض فالغالب أن يكون ترهاقا قد بدأ عمليه غرس الحزام في العام التالي مباشرة لتوليه الملك أي في عام 689 قبل الميلاد. أما كون الغرس قد تم في حوالي الساعة التاسعة صباحاً فلأن هذا هو الموعد الذي يناسب المسؤولين الذين يشرفون إحتفالات غرس الأشجار، ولا بد أن يكون ترهاقا قد شرف إحتفالات غرس أولى شجيرات ذلك الحزام في ذلك اليوم إيذاناً بالبدء في إقامته. أما كون الغرس كان في 3 أغسطس، أي ذات اليوم والشهر الذي نحتفبل فيه حاياً بعيد الشجرة السنوي بالسودان من كل عام، فهذا أمر إعتمدت فيه على حسابات خاصة توصلت فيها إلى أن الظروف المناخية التي كانت سائدة في مدينة الأبيض في حوالي شهر أغسطس من عام 1963 حيث إنطلق أول عيد شجرة بالسودان والتي كانت تصلح لبدء مواسم غرس الأشجار تماثل الظروف المناخية التي كانت سائدة في مدينة الكوة في عهد ترهاقا في ذلك الزمان. أما إختيار اليوم الثالث من الشهر فقد اعتمدت في تحديده على الحدس وحده.
بالطبع إنه لمن المقبول تماماً لدي من الناحية العلمية، إذا اعترض أحد من القراء بأنه يجد صعوبة في تقبل مثل هذا النهج الذي انتهجته في تحديد موعد غرس حزام الكوة الأخضر في عهد ترهاقا بالساعة واليوم والشهر والسنة. فأنا أدرك بالطبع ان مثل هذا النهج لا يمكن تمييزه عن ذلك الذي ورد مؤخراً في أنباء القاهرة من أن محافظة الجيزة التي كانت تحتفل بعيدها السنوي في 3١ مارس من كل عام، تنازلت عن هذا التاريخ بعد أن أصبح عيدًا سنوياً لمحافظة ٦ أكتوبر بعد إنشائها، وذلك لارتباط هذا التاريخ بحادثة وقعت أثناء ثورة ١٩١٩ بمدينة البدرشين، والتى نُقلت تبعيتها إلى محافظة ٦ أكتوبر. وبدلاً عن ذلك التاريخ اختارت محافظة الجيزة يوم ٢٣ أغسطس لإقامة عيدها السنوي، باعتبار أن هذا اليوم هو يوم بدء بناء هرم خوفو الأكبر على هضبة الجيزة حسبما جاء في المؤتمر الصحفى الذي عقده محافظ الجيزة و قال فيه أن بدء بناء الهرم الأكبر كان في منتصف يوم ٢٢ أغسطس عام ٢٤٧٠ قبل الميلاد، ولكنهم فضلوا اختيار يوم ٢٣ ليكون عيداً سنوياً للمحافظة، رغم تشكيك المؤرخين وعلماء الآثار في هذا التاريخ، وتأكيدهم أنه لا يمكن من الناحية العلمية معرفة تاريخ بدء بناء هرم خوفو، وأنه لا توجد أى أدلة تثبت اليوم ولا الشهر ولا حتى الفصل الذى بدأ فيه البناء. كما أن النهج الذي انتهجته أنا في تحديد موعد بدء غرس حزام الكوة لا يختلف في شئ عن النهج الذي اتبعه أسقف عموم ايرلندا جيمس يوشير في تحديد عمر الكون من خلال مزج الأحداث الواردة في التوراة وبعض الأساطير القديمة وخرج من ذلك بنتيجة مفادها أن ولادة الكون قد حدثت في تمام الساعة الثانية عشر منتصف ليلة الأحد 23 أكتوبر من العام 4004 قبل الميلاد.
عموماً، مهما يكن من أمر الإختلاف حول علمية النهج الذي اتبعته في تحديد موعد بدء غرس حزام الكوة، فإن الأمر الثابت اليوم هو أن يوم 3 أغسطس من كل عام هو اليوم الرسمي المعتمد لبدء إحتفالات عيد الشجرة القومي بالسودان الذي ظلت الهيئة القومية للغابات متمسكة به على الدوام. وأخيراً عزيزي القارى التحية لك مقرونة مع الدعوة “إذا لم تغرس شجرة فلا تقطع شجرة”.
