أخلاقيات الأرض

بقلم د . عبدالعظيم ميرغنى

مسنوداً بمواهبه وملكاته المتعددة أصدر رجل الغابات العالم والشاعر والفيلسوف المفكر بروفيسور ألو ليوبولد (1887 – 1949م) كتاباً في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1948 أسماه “فلسفة أخلاقيات الأرض” بيعت منه مليونا نسخة، أحدث به ثورة في مفاهيم الناس غيرت من سلوكهم السلبي تجاه المحميات الطبيعية.

تقوم فلسفة أخلاقيات الأرض على عدة مبادئ ليست بالجديدة علينا نحن أهل الإسلام، بل هي من مكنونات كتابنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي ما فرط الله فيه من شئ. تقوم هذه الفلسفة أولاً على مبدأ توسيع دائرة مفهوم المجتمع ليشمل الإنسان والتربة والمياه والنبات والحيوان، أي يشمل الأرض بكل ما تحمله من فوقها أو ما عليها أو ما في جوفها. وتنظر هذه الفلسفة للأرض لا كسلعة بل كمجتمع حيوي معقد الوظائف متعدد الأجزاء التي تتنافس فيما بينها، وتتعاون مع بعضها البعض، يقع على الإنسان فيه واجب ضمان سلامته وحيويته وصيانة روعته وجلاله وجماله.

من مبادئ فلسفة أخلاقيات الأرض أيضا، انه بما أن الكل يحدد قيمة الجزء، فإنه لا يمكن للإنسان أن يدرك موقعه في الطبيعة إلا بعد أن يدرك أولاً مكانة كل المخلوقات الأخرى المكونة معه لهذا الكل، فكما يحق للإنسان الحياة والبقاء والوجود يحق لهذه المخلوقات تماماً ذلك أيضاً. وتتطابق هذه المفاهيم مع ما جاء بالآية الكريمة (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحه إلا أمم أمثالكم).

ويروج ليوبولد لفلسفته هذه بالقول: (إن الاكتشافات المتميزة التي حدثت في القرن العشرين ليست هي التلفزيون أو الراديو بل هي تعقيدات كائن الأرض. ويضيف قائلا فقط أولئك الذين يعلمون الكثير عن هذه التعقيدات هم من يدركون كم هو قليل ما يعرفونه عنها). وتدعو فلسفة أخلاقيات الأرض إلى استخدام موارد الأرض والانتفاع بخيراتها بذات المفهوم الذي حثت عليه الآية الكريمة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). وتدعو فلسفة ليوبولد كذلك إلى صيانة هذه الموارد والحفاظ على حقها في الوجود والى استمرارييتها في حالة من الانسجام والتوافق بين استدامة وجودها واحتياجات البشر لتبقى على هيئة التوازن التي خلقها الله عليه، وهذا ما سبقه عليه القرآن الكريم (والأرض مددناها والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون).

قدم ليوبولد لفلسفته بدعوة للقارئ، تقول: (قارئي العزيز تقاسم معي إذا شئت تجاربي، ومن ثم أفكاري ومفاهيمي، وإذا أردت أن تتبعني، فشاركني رؤاي). ونحن إذ نتبع ليوبولد ونتفق معه على مبادئه وفلسفته لا نستند في ذلك على ما أورده ليوبولد من فكر ثاقب فحسب بل ننطلق من موروثنا ومعتقدنا الإسلامي الذي سبق فكر وفلسفة ليوبولد بقرون. هذه مساهمة العبد الضعيف عبدالعظيم ميرغني في احتفائية اليوم العالمي للبيئة والذي صادف يوم امس ٥ يونيو 2022 وصادف كذلك الذكرى ال50 للمؤتمر البيئي الدولي الاول باستوكهولم بالسويد عام 1972 والذي انعقد تحت ذات الشعار الذي انعقد تحت مظلته يوم امس (ليس لنا سوى أرض واحدة). وقد كان للسودان اسهاما مقدرا في ذلك المؤتمر الي انعقد بالسويد والذي اتبثقت منه اللجنة العالمية للبيئة والتنمية برئاسة رئيسة وزراء النرويج ينوب عنها وزير خارجية السودان وقتها دكتور منصور خالد. وقد خرجت هذه اللجنة هتقريرها المعروف ب our

Common future

الذي استحدث فلسفة التنمية المستدامة التي قامت عليه كلى السياسات البيئية والتنموية الدولية منذ قمة الارض في البرازيل 1992 الى هذا اليوم وقد صدعر تقرير Oour Common FUture متزامنا مع انشاء برنامج الامم المتحدة للبيئة UNEP.

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English