البلاغ 170 أحوال والطعن في ظل الفيل
د.عبد العظيم ميرغني ابراهيم
في عالم الغابات، كما في دهاليز السياسة، نادراً ما يُطعن “الفيل” مباشرة؛ بل يُوجّه السهم نحو “ظله”، حيث الحلقة الأضعف، أو الجهة الأسهل منالاً.
هذه ليست حكاية رمزية من أدب الحيوان أو حكاوى الغابة، بل وقائع رسمية موثقة في سجلات الغابات، ودفاتر البلاغات.
في 23 أبريل 2008، فتحت الهيئة القومية للغابات بلاغًا رسميًا ضد بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (اليوناميد) بدارفور، نعم، بلاغ ضد البعثة الأممية، اليوناميد.
التهمة؟ التعدي على 200 فدان من حزام الفاشر– منطقة محجوزة قانوناً لحماية المدينة من زحف الرمال.
تخيلوا المشهد: هيئة محلية تقاضي بعثة دولية، ليس بسبب خطأ في مذكرة تفاهم، بل لأنها استولت فعليًا على أرض غابية محجوزة!
مشهدٌ نادر، لكنه يطرح أسئلة أعمق من مجرد تسجيل بلاغ. فمن الزوايا المسكوت عنها في هذه القصة، أن مقاضاة بعثة أممية ليست مجرد إجراء قانوني، بل تحدٍّ سياسي ودبلوماسي لدولة تتعامل مع قوى فوق وطنية. فهل كانت الهيئة تملك فعلاً القدرة المؤسسية التي تخوّلها مساءلة بعثة بحجم اليوناميد؟
أم أن البلاغ لم يكن سوى صرخة رمزية، أشبه برسالة احتجاج تُلقى في العلن، مع إدراك مسبق بأن المساءلة الحقيقية ستقف عند حدود الظل؟ وهل المسؤولية هنا تقع على البعثة وحدها، أم على الجهة المحلية التي منحتها الإذن وفوّضتها بالدخول في أرض الغابة؟
ليس هذا المشهد فريدًا، إذ سرعان ما تتكرر الصورة في قلب السودان، حيث وجدت الهيئة القومية للغابات نفسها هذه المرة في مواجهة شركات أجنبية اقتحمت غابتبن محجوزتين بولاية سنار، وأزالت آلاف الأشجار، وجرفت التربة، وحفرت خنادق عميقة.
ومن المشاهد المضحكة لو لم تكن مبكية، أن ترى موظفي الغابات، وهم يطرقون أبواب مخازن الفحم وزرائب الحطب في الأسواق، ويسألون: (هل لديكم إذن نقل للمحصول؟).
• في الحالتين الأولى والثانية، كان من المتعين أن يُوجه الإجراء إلى “الفيل”، أي حكومتي الولايتين المعنيتين، لا إلى البعثة الأممية أو الشركة الأجنبية، إذ لم تتصرف أيٌّ من هاتين الجهتين الخارجيتين إلا بإذن أو تفويض السلطات الولائية المختصة.
أما في الحالة الثالثة، فقد كان الأجدر توجيه المساءلة منذ البداية إلى الجهة الناقلة، أي “الفيل”، لا إلى من حاز على المنقول لاحقاً – أي “ظل الفيل” – بسبب العجز عن مساءلة الناقل، “الفيل” الحقيقي.”.
في جميع الحالات الثلاث، تسترشد الهيئة القومية للغابات بفقه الآية الكريمة: “قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عنده إِنَّآ إِذٗا لَّظَٰلِمُونَ”.
• وهو التزام أخلاقي وقانوني، لكنه كثيرًا ما يضعها في مواجهة “الظل”، بينما يظل “الفيل” بمنأى عن المساءلة.
• ربما لا يلام القائمون على الغابات في ذلك، فمن يجرؤ على طعن الفيل؟
آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.
عبد العظيم ميرغني
