درج العالم على الاحتفال يوم الغذاء العالمي في 16 أكتوبر من كل عام وهذا الاحتفال يلفت أنظار العالم بأهمية توفير الغذاء وتنوعه لتحقيق الاكتفاء للبشرية ومكافحة الجوع والفقر حتى انه يدعو للمساواة بين البشر فيما يحصلون عليه من قيمة غذائية ولهذا النهج تاريخ قديم حيث أن أول هم واجهته البشرية كان تناسب الإنتاج الغذائي مع الإعداد المتزايدة من الأنفس ولذا أصبحت عمليات توفير الغذاء تعتبر من الأهداف الأمنية لمعظم الدول حتى أصبحت تكنى هذه المنظومة بالأمن الغذائي لان أي خلل بها ينتج عنه انفلات في حالة استقرار المجتمعات ولمعرفة ذلك نحتاج إلى تفسير هذا المدخل وكيف يصبح الغذاء مدعاة للأمان
ان الانسان ومنذ صرخة ميلاده الاولى يحتاج للأمان ، ومن المعروف إن تأمين مصادر الغذاء و الحماية من تقلبات المناخ وجنوح الطبيعة وحمايته من اعتداء الكائنات والحيوانات والمخلوقات التي تعيش من حوله و ايضا يحتاج الي الحماية من جنوح بني جنسه من البشر في كثير من الاحيان ، ومنذ ان عرف البشر التعايش بجانب بعضهم البعض بظهور ( المدنية ) وتكونت التجمعات السكانية وتقدم المدنية ظهر للوجود ضرورة قيام البعض بتصريف احتياجات الجماعة كما قال الله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) سورة التوبة ومن المعلوم التفقه في الدين بمعناه العريض يعني العلوم والمعارف بكافة نواحيها الدنيويه والشرعية ، ومن هنا برزت حاجته للأمان من جميع النواحي وعليه تكونت جماعات لتأمين بعضها البعض فيما تحتاجه وتعددت انواع الاجهزة التي تقدم التأمين بمختلفة المهام وعظم دور الأمن بمختلف فروعة لبسط هيمنته للاسهام في تطور واستقرار الحياة وتقدمها من علوم معرفيه وإنتقال واستقرار بين البشر وتكاثر في الانفس وايضا الضرب في الارض ابتغاء الرزق وكل ما هو ينصب في خير البشرية والتي بها يساهم بتحقيق القصد من استخلافه في الارض كما قال الله تعالي (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) سورة الاعراف 129 ومن ضمن الاستخلاف القيام بواجبات التجمعات البشرية وتعارفها كما قال تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات 13 ومن هنا كان لا بد من وجود جماعة تحمي وتأمن احوال الناس من كل مخاطر التجمعات واطماعها ورغباتها المتقاطعه في التعايش بأمان ، ولكن نجد بأن هنالك اولويات تفرض نفسها في حال التجمع والمساكنة بالقرب من بعض . ولكي نفهم ما هي اولوياتنا علينا الرجوع للتشريعات السماوية التي نجد فيها الخطط والتي رسمت لنا طرق و سبل التعايش ومن قول الله تعالي (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) سورة قريش 4 وهي دلاله واضحة بأن الأمان في توفير الغذاء مقدم علي التأمين من كل المخاطر الاخرى حيث ذكر الله الطعام قبل الأمن من الخوف ولذا نجد بأن كل القائمين بإمور التجمعات السكانية ينصب جل همهم في توفير الغذاء ، ومن اهميته التي تبين لنا من خلال مسيرة البشرية عبر كل العصور تجده هو السبب الرئيسي لقيام التفلتات الامنية الاخري من حروب بين الشعوب كما هو سبب مباشر لعدم استقامة البشر وجنوحهم الفساد والافساد وقد تواتر الكثير من الاقوال حوله ومن اشهرها القول الحكيم (لو كان الفقر رجلا لقاتلته) ، ولكن تغير الحال مع رفاهية بعض الشعوب علي حساب الاخري فاصبحت تتطلع لإفتعال المشاكل الامنية الاخري حتي لا تنظر البقية للهدف الامني الاول الا وهو توفير الغذاء بل تساق الشعوب لحتفها تحت شعارات خاوية جوفاء مثل الحرية والديموقراطية وما شاكلها من اسماء وتتوه في دروب متشعبة وشائكة وتنسي التعاون والتكافل والتعاضد في توفير سبل العيش الكريم لها ولغيرها بالاهتمام بتأمين الغذاء والناظر لحالنا في المنطقة العربية عموما نجدها تصب جام جهدها في السعي للتقدم وتطوير وسائل الرفاهيه والعمران وتتفنن في كل ضروب المعرفة العلمية والتكنلوجيه الحديثة !!! ولكنها لم تقدم شئ يذكر في تنمية مواردها الغذائية في اصولها الزراعية والصناعات الغذائية اي اهتمامها بمجال الزراعة والتي هي اول مقومات الأمن الغذائي بل اعتمدت علي المعونات الخارجية التي تقدم لها الغذاء في شكل منتجات جاهزة للاستهلاك بعد سلبها لكل مواردها المالية وفق اجنده محدده ومدروسة والغريب في الامر كلنا نعرف القول الحكيم الذي لا يحتاج لشرح وهو (من لا يملك قوته لا يملك قراره) . وقد استمعت لقول رجلا قروي من دوله من دول امريكا اللاتينية حينما تقدمة لهم شركات اجنبية لإستكشاف الذهب الذي اثبت المسح الجيلوجي وجوده بكثره تحت حقولهم وقراهم الذراعية بكميات هائلة تساهم في رفع مستوي دخل الدوله وتساهم في رفاهية شعبها على الاجمال ولكن خاطب هذا الرجل القروي المزارع البسيط عندما قابل رئيس دولته معترضا علي منح حقوق التنقيب للشركات بقوله (أن الذهب لا يؤكل وقد تعودنا علي ذراعة الذره والفواكه ماذا نفعل بنقود لا تجدي حين انعدام المحاصيل ، إننا نذرع كفايتنا ولا نحتاج إلي الذهب او للبترول فالماء ينهمر من السماء دون جهد منا والارض تنبت بالمحصول لغذائنا ولحيواناتنا بجهدنا وسواعدنا ولا ينبتها الذهب او المال ) وقد كانت تلك ابلغ عباره ماذا يفيدك الذهب حين لا تجد المحاصيل التي تقتات منها !!! الكثيرون يعتقدون بان الذهب او البترول مدعاه لتوفير الغذاء ولكن هذا فهم خاطئ طالما توفرت الارض الخصبة والماء المنهمر لا حوجه للمال بل على العكس تماما فمن يمتلك الغذاء هو الذي يفرض عليك شروطه مهما تعاظمة قيمة منتجاتنا المعدنية لن تستطيع فرض قوتها امام المحاصيل الزراعية فحياة الانسان مرتبطه في المقام الاول على البقاء بالغذاء ولذا فقط نحتاج لبذل الجهد والمعرفة بفنون الزراعه فتتحقق الكفايه والفائض الذي يضعنا في مقدمة اصحاب القرار . ومن هذا نعرف بأن الامن الغذائي هو الاهم والمقدم علي كل احتياجات البشرية بتنميته زراعيا وتطوير طرق حفظه لاوقات الجدب والجفاف فقد بلغ البشر علي سطح الكرة الارضية الان اكثر من سبعة مليارات نسمة وكل همهم توفير الغذاء فلا ينفع المال بدون توفر الغذاء وحين يقل وينضب الغذاء الكافي للبشر ينفلت الامن ويأتي الخوف وقال الله تعالي (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) سورة النحل 112 . وبالرجوع للتاريخ في حقبة الفراعنه تجد بان اول هم واجهه الفرعون في عهد سيدنا يوسف عليه السلام كان الغذاء كما جاء في سورة يوسف قال الله تعالي عنها (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ) سورة 46 ومن كل ما سبق نجد بأن الحاكم والقائم بأمور تصريف شؤون الناس ورعيته يجب عليه أولا الاهتمام بتأمين الغذاء لهم بتوفيره واستخدام كل الموارد المتاحة وحفظه بادخال انظمة الحفظ وتطويرها لهم حتي يتسني له القيام ببقية شئونهم الاخرى بيسر وإطمئنان فلا رفاهية مع الجوع كما قال الله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة 155 من هذه الاية يضرب الله لنا الامثال بان الامن الغذائي مرتبط ببقاء البشر في حالة استقرار كما ورد بالآيات السابقة وذكر لنا شئ من الخوف والجوع والشئ تفيد بان هنالك اضطراب نوعا ما اي ان الكثير منها يجعل الانفلات الأمني حاضرا فلا تستقر الحياة وبالتالي لا أمل يرجى لنهضة او تقدم وتطور للحياة وعليه ينهدم كيان المجتمع وإستقرار المدنية وانفلات منظومة الأمن بعمومه والأمان في كل مناحي الحياة .
