الفحل الذي ظُلٍمْ !!؟

د. عيسي عبد اللطيف

 

نعم العنوان غريب ؟؟..

الدنيا صباح .. رن الهاتف وكان على الخط رئيس الجمعية الأخ العزيز والصديق الخلوق علي محمد علي .. كان صوته أجش وغير مريح لأذني .. صاح فجأة يا عيسى فاجعة .. وصمت لثواني كانت من أصعب اللحظات في حياتي .. ثم قال الفحل يا عيسى .. ولم أسمع منه شئ آخر إذ أجهش بالبكاء وانقطع الخط !!

ربما مرت ساعة أو أكثر وأنا في مكاني منتظراً الخروج من حلم ، بل من كابوس .. قلبت الصفحة الى الوراء 24 ساعة فوجدت نفسي أتحدث مع الفحل .. وكعادته لم يقل سلام ولا يسألني عن حالي ! دخل في الموضوع على طول وكنت قد أرسلت له تصور المشروع الذي ظل يلاحقني لكتابته شهوراً وهو مشروع (المنتدى البيئي) وعبر عن فرحته به. كما حدثته عن مدارس من الولايات تود الانضمام لمشروع حوش المدرسة الذي شكل هاجساً كبيراً له ففرح أكثر.. أحس بالراحة وأخبرني عن فكرة سفره الى مصر للعلاج وبعد العودة ان شاء الله يواصل معنا .. هكذا كنا نخطط ، ولكن خطة رب العالمين اختلفت .. وأجل الله لا يؤخر .. انا لله وانا اليه راجعون، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

اللهم ان محمد ابراهيم الفحل الآن في ضيافتك فأكرم نزله بقدر ما قدم للوطن وللإنسانية .. وأكرمنا بلقائه في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .. وانت أكرم الأكرمين. أللهم الهمنا وأهله حسن العزاء وأجعل البركة في عقبه الى يوم الدين.

سبقني كثير من الاخوة والأخوات الى وصف الفحل بالرجل الهادئ الذي يستمع اليك بصبر وتؤدة الى أن تكمل حديثك قبل أن يبدي وجهة نظره .. وهذا من الرقي الخلقي والسلوك الحضاري اللذان لازماه منذ أن عرفناه قبل أكثر من ثلاثة عقود .. وقد عرفه الصغير والكبير بالتواضع ونكران الذات .. إذ رغم ما وفره هو للجمعية من مليارات بجهده الشخصي، لم تحدثه نفسه يوما بتغيير أثاث مكتبه الخشبي التقشفي الذي كان هدية من الطاهر بكري، رئيس فرع السوكي، عليه الرحمة .. رمز آخر من رموز الجمعية الذين رحلوا دون استئذان ..

هل نحن ظلمنا الفحل ؟

أول من تولى منصب المدير التنفيذي للجمعية في 1992 هو الأب الروحي للجمعية د. معتصم نمر ، عليه من الله رحمة ورضوان .. وقد كانت تضحيته بوظيفته الحكومية دون ضمانات في بداية بناء الجمعية تدل على مدى ولائه لها واستشرافه لمستقبلها .. ولعلمه بأن خبرته وعطاءه أفضل في الجانب العلمي والفني ، فقد كان معتصم يبحث عمن يحمل عنه عبء الشؤون الإدارية والمالية وحسب نيته الطيبة وجد ضالته في محمد ابراهيم الفحل الذي كان من ضحايا مجزرة الصالح العام وقد فصل من البنك الزراعي لبعده عن خط الجبهة الاسلامية التي اختطفت البلاد.

كانت فكرة أعضاء الجمعية عن الفحل في البداية مختلفة .. إذ اشتكى بعضهم أنه قابض ولا يصرف مال الجمعية في شئ دون تمحيص وبحث عن طريقة للترشيد .. وكنت أول من تصله تلك الشكاوي بحكم أني كنت رئيساً للجمعية .. وقد كنت أبذل كل جهدي لإقناعهم بأن مال الجمعية أمانة في عنقنا جميعاً وأن أي ترشيد سينعكس ايجابا على مستقبل الجمعية .. وبالفعل بعد سنوات أصبحت للجمعية ممتلكات واستقرت في مقرها الذي تملكه بدلاً عن الايجارات .. وانقلبت فكرة أولئك الأعضاء عن الفحل رأساً على عقب وآمنو بأنه كان يقبض عنهم *(فوق رأي)* ..

وها هي الجمعية اليوم قد فقدت باني نهضتها واستقلالها وقيادتها للعمل الطوعي في السودان .. وهو الذي ارتبط بالجمعية بأسرته التي عرفناها في كل مناسبات الجمعية .. وكان فرع الحلفاية من أقوى وأنشط فروع الجمعية بفضل جهده ومكانته في الحي. فقد توالى على الجمعية كثير من الرؤساء وأعضاء اللجان التنفيذية ولكن ظل الفحل هو *(عمود النص)* الذي تتكئ عليه الركائز وهو المتابع لكل صغيرة وكبيرة ومُوقّع على كل جنيه يخرج من خزينة الجمعية.

لقد أبت إرادة المولى ألا أن يلتحق محمد الفحل في هذه المرحلة الحرجة بكوكبة ممن فقدتهم الجمعية ولا أستطيع استحضار كل الأسماء ولكن لا بد من ذكر نجوم تلألأت في سماء الجمعية ورغم أنها أفلت ولكن ضوؤها ظل يضئ لنا طرق البيئة المظلمة .. أذكر منهم معتصم نمر ونادر محمد عوض وأحمد سعد والطاهر بكري ومحمد أحمد أبوبكر (أركويت) وعيسى مادبو (الضعين) وأسامة دفع الله وحاجة نفيسة وعلي الخليفة وبروف مهدي بشير .. وآخرين لا أذكرهم.

لا يستطيع أحد أن يوفي محمد الفحل حقه .. وفي الخاطر الكثير الذي نود كتابته ولكن يضيق المجال ..

ولكننا سنبذل ما في وسعنا لتحقيق جزء من أحلامه وطموحاته التي تركها لهذا الوطن الجريح وأهله الطيبين ..

رئيس سابق للجمعية السودانية لحماية البيئة

 

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English