زهد النساء فى الرئاسة ومجلس الوزراء

بقلم : د عبد العظيم ميرغني

 

لماذا تزهد النساء السودانيات في رئاسة الجمهورية؟ ولماذا لا يرشحن لرئاسة الوزارة؟

قبل حوالي خمسة وعشرين قرناً من الزمان حمد أفلاطون الرب وشكره لأنه خلقه ذكراً ولم يخلقه أنثى. وفي جاهلية العرب الأولى كانت العرب إذا بشِّر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. وقبل حوالي قرن من الزمان كان القول السائر وسط الخبراء والفنيين في الغرب هو أن المرأة هي الخاسرة على الدوام في حلبات السباق الفكري من حيث التحصيل والكسب والابتكار. كما كانوا لا يملون من الترويج إلى أنه إذا ما اتفق أن إمراة سيئة الطالع عاثرة الحظ تملكتها حالة ولع خاص بتخصص علمي أو مهني معين توجب عليها عندئذٍ مداراة ذلك الولع والتستر على حالتها تلك لأنها لا تعدو إلا أن تكون حالة مسخٍ إستثنائي شائه وشاذ. وقبل بضعة سنوات فقط ردد لاري سمرز رئيس جامعة هارفارد الأمريكية ذات هذه الأقاويل بتصريحاته التي أعلن فيها أن نسبة الإناث بجامعة هارفارد أقل من نسبة الذكور في مجالات العلوم والرياضيات والهندسة بسبب فروقات فطرية بين الذكور والإناث. وبالرغم من أن السيد سمرز قد تمت إدانته بجرم الطيش الإجتماعي، إلا أن ما أوردته مجلة “نيتشر nature” العلمية من أن الفروقات الوراثية بين الرجال والنساء هي بمقدار الفروقات الوراثية بين البشر وقردة الشمبانزي (حوالي 1%)، دفع البعض لأن يتساءل ألا يعني ذلك أن الفرق الوراثي أو الجيني بين الرجال والنساء كبيراً جداً ويرقى لدرجة الفرق بين نوعين مختلفين من المخلوقات؟” بل طالب البعض بإعداد خريطتين وراثيتين للبشر؛ إحداهما للرجال والأخرى للنساء.

لا تقتصر خطورة الزعم بأن الفروقات الجينية بين الرجل والمرأة هو ما حال دون تمكنها من التفوق في تخصصات بعينها كالرياضيات والهندسة، على ما تنطوي عليه من تمييز ظالم ضد المرأة فحسب، بل تتجاوزه الى الدعوة بأن كل الوجود الإنساني تسيطر عليه المادة المورثة (الجينات). وهذا يعني فيما يعني أن كل الفروقات بين البشر (كالتنوع في المزاج والميول، والتفاوت في قدرات الأفراد والمجتمعات، ومراكز الناس الإجتماعية وانتماءاتهم المهنية)، كلها مصائر مسطَّرة وأقدار مقدورة مكنونة في جيناتهم لا يد لأحد في شئ منها ولا مخرج له منها سوى الإذعان لحتميتها. فهذا الزعم يعني بأن هناك جينات بعدد أحاسيسنا ومشاعرنا ونزعاتنا ونزواتنا وصفاتنا الإنسانية، هناك جين للنبوغ التجاري عند التجار، وآخر للشراسة والهيمنة عند الذكور، وثالث للإله عند المتدينين، ويمكن التدليل على بطلان هذه المزاعم بالإستعانة بما أوردته بعض الإحصائيات من أن نسبة إستخدام التمباك لدى النساء السودانيات لا تتعدى 8%. فلو كان الأمر كما يزعم الذين يقولون بأن سلوك الناس مكنون في جيناتهم وحدها، لجاز القول بأن النسبة العالية لتعاطي التمباك وسط الرجال منشأها وراثي، وأن هناك جين (لنطلق عليه جين التمباك مثلاً) هو المسؤل عن إرتفاع نسبة تعاطي الرجال للتمباك. ويمكن على ذات المنوال الزعم بأن النسبة العالية للمسلمين في تركيا (99%) أصلها جين مسلم في الجينوم (خريطة الجينات) التركي. فتعاطي التمباك سلوك تحكمه البيئة الثقافية والمجتمع. فهناك من بين طوائف المجتمع السوداني من إشتهر بكراهيته للتمباك لدرجة التحريم، وهناك طوائف أخرى يكثر فيها المتعاطون للتمباك.

مما لا شك فيه أن الرجال والنساء مختلفين في كثيرٍ من النواحي الحياتية. فعلماء الإقتصاد يقولن أن النساء يختلفن عن الرجال في ترتيب أولويات حياتهن. فالرجال عادة ما يسعون للمنصب والمركز على حساب الأسرة والعائلة، وبالمقابل تسلك المرأة طريقاً متزناً في هذا الإتجاه. وهذا لا يعني أن كل النساء يقدرنَّ القيم العائلية ولا يقدرنَّ المركز والمنصب، كما أنه لا يعني أيضاً أن كل الرجال يقدرون المنزلة والمنصب ولا يقيمون وزناً للقيم العائلية والأسرية. كما أظهرت دراسات أخرى أن هناك إختلافات واضحة في أنواع النشاطات المهنية الأكثر قبولا لدى كلٍ من الجنسين. فالنساء يبدين ميلاً أكثر للعمل في الوظائف التي ترتبط بالناس (كالعمل في منظمات الخدمات الإجتماعية مثلاً) بينما يميل الرجال للوظائف التي ترتبط أكثر بالتعامل مع الأشياء (كالفيزياء والرياضيات وبرمجة الكمبيوتر الخ). ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد وجد أنه من بين درجات الدكتوراة الممنوحة عام 2001 حصلت النساء على 65% من درجات الدكتوراة الممنوحة في التعليم، 54% في العلوم الإجتماعية، 47% في العلوم الإنسانية، 26% في العلوم الطبيعية، و17% في الهندسة. وعند مقارنة هذه الإحصاءات بإحصائيات عام 1980 وجد أن نسبة الدرجات الحاصلة عليها النساء في التخصصات المختلفة كانت بذات نسب عام 2001م رغم الفارق الكبير في العدد الكلي للشهادات الممنوحة بين العامين. هذه النتيجة تتفق تماماً مع ميول ورغبات كلٍ من الجنسين للعمل في الوظائف التي يحبذها كل منهما سواء تلك التي ترتبط بالناس أو تلك التي ترتبط بالأشياء. ولكن هذا لا يمنع البعض من التساؤل: “لماذا لا يكون ذلك الميل وتلك الرغبة التي تبديها النساء للتخصص في مجالات التعليم والعلوم الإجتماعية وليس في مجالات الفيزياء أو الرياضيات والهندسة بسبب تركيبتهنَّ الجينية؟ بالقياس يمكن للبعض أن يتساءل مثلاً: لماذا لا يكون عزوف النساء عن الترشح لرئاسة الجمهورية السودانية او رئاسة الوزارة منشأه وراثياً؟ الإجابة هي مما هو راجح لدى العلماء أن هناك ظواهر أو صفات إنسانية يتشارك في صنعها العاملان البيئي والوراثي معاً، وهناك صفات يتحكم فيها العامل الوراثي وأخرى العامل البيئي وحده، فزهد المرأة في الترشح لرئاسة الجمهورية في اعتقادي مثله مثل عدم جواز قيادة المرأة للسيارة في السعودية، منشأه بيئي، ومسبباته تراكمية منذ عهد إفلاطون مروراً بجاهلية العرب الأولى وحتى عصرنا الحاضر. هذه هي قراءاتي التي نشرتها في صحيفة السوداني في وقت سابق. وقد استقيتها من مصادر علمية متعددة

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English