احياء العاصمة تسبح فوق بحيرة صرف صحي

تحقيق ـ التاج عثمان - الحراك السياسي

الصافية تسبح فوق بحيرة صرف صحي

المنشية، الرياض، الطائف..أحياء تواجه نفس المصير

آبار السايفون تهدد البنايات متعددة الطوابق بالانهيار!

مفارقة..مقر وحدة مياه الشرب والصرف الصحي غارق في مياه الصرف الصحي

مجمع عبد الوهاب عثمان بمنطقة الفتح لم يسكن أحد.. وإليكم الأسباب

الميناء البري..مستشفى إبراهيم مالك..مجمع البشير.. تعاني من خلل في الصرف الصحي

المهندس فضل المولى عثمان فضل المولى..خبير المياه والصرف الصحي

مستشفى إبراهيم مالك.. اشكالية صرف صحي

*الحلقة الأولى من تحقيق الخراب والإهمال الذي لحق بالصرف الصحي بالعاصمة وتسبب في مشاكل صحية وبيئية كثيرة لمواطنيها كشفنا أسباب تأخر شبكة الصرف الصحي الخاصة بأحياء الخرطوم بحري القديمة ..واوضحنا الخطأ التصميمي في شبكة الصرف الصحي القديمة .. وتناولنا أسباب الانفجارات المستمرة في شبكة الصرف الصحي واغراقها لشوارع العاصمة ..كما كشف التحقيق كيف استولى بعض نافذي الإنقاذ على أحواض الترسيب الخاصة بمخلفات الصرف الصحي الصناعي شرق بحري وحولوها لاقطاعيات خاصة بهم .. ومن خلال هذه الحلقة الثانية نتناول الآثار الصحية والبيئية السالبة والخطيرة لآبار السايفون والمراحيض البلدية والمصاصات التي تنتشر في معظم أحياء ولاية الخرطوم التي ينفرد بها السودان دون سائر دول العالم الأخرى*

 

ملوثات العاصمة

 

لو فرضنا ان ولاية الخرطوم تضم (5) ملايين أسرة هذا يعني أن هناك (5) ملايين بئر سايفون، ومرحاض بلدي، ومصاص ـ والرقم الذي ذكره لي أحد المختصين أكبر بكثير من هذا الرقم ـ بواسطتها يتخلص سكان الولاية من فضلاتهم.. ولكن السؤال المهم هو: أين تذهب فضلات سكان العاصمة السائلة والصلبة؟.. معلوم وجود ثلاثة أنظمة يتخلص بواسطتها سكان الولاية من مخلفاتهم، سواء بالمنازل، او البنايات متعددة الطوابق، او الأسواق، او المدن الجامعية المكتظة بالطلاب والطالبات، ودور العبادة المنتشرة بالآلاف في أرجاء الولاية خاصة العاصمة المثلثة.. النظام الأول وهو القديم المراحيض البلدية، حيث يقوم صاحب المنزل بحفر حفرة عميقة وتغطيتها بصبة خرسانية، والبعض يستخدم الحطب ومن ثم تستعمل للتخلص من الفضلات الآدمية، وفوهتها تكون مكشوفة، ويعتبر هذا النوع أكثر وأخطر المصادر الملوثة لبيئة العاصمة، لكونه يصبح مرتعا خصبا لتوالد الذباب والبعوض والحشرات الأخرى خاصة (الصراصير) ناقلة الأمراض المعوية..هذا النوع من أنواع الصرف (غير الصحي) ينتشر في معظم الأحياء الشعبية خاصة الطرفية، ومن آثاره السابة ايضا أنه لا يستخدم للتخلص من مياه الحمام وغسيل الملابس والتي يتخلص منها بدلقها في الشارع امام المنازل فيتسبب بطول الزمن في تجمعات للمياه ويصبح مصدرا للروائح الكريهة ،تستغله الكلاب كمسبح لها تستلقي داخل الماء المتخلف منه بالنهار تلتمس تبريد جسدها، ومعروف ان الكلاب بلا مسامات للتعرق، فهي تفرز عرقها بواسطة اللسان،ولذلك عند ارتفاع درجة الحرارة في صيف العاصمة الملتهب تجدها راقدة طيلة النهار في ماء الحمامات التي يتخلص منها سكان المنازل بالطريق العام.

اما النوع الثاني فهي (آبار السايفون) التي تنتشر في الأحياء درجة أولى وثانية بمعظم أحياء العاصمة، ومنها آبار موغلة في القدم كثيرا ما تفيض وتفرز المخلفات لداخل المنزل ومعالجتها وقتية بسحب مياه البئر بالتناكر المكلفة والتي يناهز الدور الواحد منها أكثر من (30) ألف جنيه، علما أن البئر العميقة تحتاج لدورين أي أن صاحب المنزل يضطر لدفع حوالي (60) ألف جنيه لا تنقص جنيها واحدا!.. ولذلك يلجأ سكان المنازل للخيار الصعب وهو جلب عمال يدعون أنهم متخصصون في نظافة آبار السايفون وينزلون داخلها لتقويسها وتكحيلها لفتح عين البئر، لكنها سرعان ما تمتلئ وتفيض للخارج من المنهولات وتغرق المنزل بالفضلات الآدمية.. اما المصاصات، وهي عبارة عن حفرة غير عميقة تعبأ بقطع صغيرة من طوب البناء الأحمر ثم تصب فوهتها بصبة أسمنتية وتستخدم للتخلص من الفضلات الآدمية، وهي تعمل بنظام الامتصاص للفضلات الصلبة او السائلة بواسطة قطع الطوب الأحمر وبمرور الوقت تتحلل الفضلات الصلبة لتذهب مع الفضلات السائلة للمياه السطحية.. وهي ايضا من ملوثات بيئة العاصمة، وسبب رئيسي لانتشار الذباب والبعوض.

خطر قادم

معظم أصحاب وسكان المنازل التي تستخدم نظام آبار السايفون لا يعلمون خطورتها عليهم وعلى منازلهم وعلى البيئة المحيطة..المهندس (فضل المولى عثمان فضل المولى)، خبير المياه والصرف الصحي، الذي امتدت خبرته في مجال الصرف الصحي لأكثر من (30) سنة، ويعد واحدا من خمسة سودانيين فقط متخصصين في منظومة الصرف الصحي وملحقاته، وهو معروف عالميا وإقليميا في هذا التخصص.. يفجر مفاجآت ويكشف معلومات خطيرة عن آبار السايفون والأضرار التي لحقت وستلحق بالمنازل المستخدمة لهذا النواع من أنظمة الصرف الصحي.. يقول:

” انتشار آبار السايفون في ظل إنعدام شبكة صرف صحي حديثة بالعاصمة سوى الشبكة القديمة ببعض الأحياء والتي يستخدمها (6) في المائة فقط من سكان العاصمة، وعدم وجود خُطة لنقل مياه الصرف الصحي لمحطات المعالجة بالطريقة العلمية المعروفة عالميا عبر الشبكات، سوف يؤثر سلبا على البنايات المأهولة بالسكان والتي تستخدم آبار السايفون للتخلص من المخلفات الآدمية، وذلك يعود للتغذية العالية للخزان السطحي بمياه آلاف آبار السايفون المنتشرة بالأحياء.. كمثال الان اثبتت الدراسات العلمية أن منسوب المياه السطحية بمنطقة (الصافية) ببحري ارتفع لأعلى بزيادة مترين تقريبا، وهي للعلم نسبة كبيرة المتسبب فيها آبار السايفونات والتي تذهب مياهها من الفضلات للخزان السطحي وتختلط به، وهذا يؤدي إلى تشبع منطقة الصافية على المدى القريب بالمياه،وتتسبب في خلل لأساسات البنايات متعددة الطوابق قد يؤدي لإنهيارها، علما أن محطة الضخ الرئيسية ليست بعيدة من الصافية.. وكان يمكن توصيلها بشبكة الصرف الصحي وإلغاء نظام آبار السايفون السطحية.. ولذلك لا بد من تدارك هذه الكارثة القادمة لا محالة قبل فوات الأوان!!..وما ينطبق على الصافية ببحري ينطبق ايضا على كل المنازل والبنايات متعددة الطوابق المنتشرة بأحياء العاصمة خاصة أحياء: (المنشية ـ الرياض ـ الطائف)”.

من المعلومات الغريبة التي تحصلت عليها أن مقر (هيئة مياه الشرب والصرف الصحي)، بجبرة، تسبح في بحيرة مياه صرف صحي هي الأخرى!!!..ومقر الهيئة عبارة عن عمارة من عدة طوابق، وتعتمد على آبار سايفون، وهي بئر واحدة فقط لكل العمارة..فإذا كان مقر هيئة مياه الشرب والصرف الصحي يسبح فوق مياه الصرف الصحي فما بالكم ببقية العمارات الأخرى؟!.

معلومات خطيرة

من الأخطاء الفنية التي لا تغتفر وذات آثار سالبة وعواقب وخيمة، ما حدث لمجمع البشير السكني بشمبات، فالمجمع ضخم يحتوي على عدة بنايات وطوابق، لكنه يعتمد في تصريف مياه الصرف الصحي على آبار السايفون العادية، وهي بالطبع لا تستوعب كل المجمع، وكان يفترض اولا تشييد وحدة للصرف الصحي بعدها يتم بناء المجمع كما يحدث في كل دول العالم، لكن لدينا في السودان الوضع معكوس تماما.

نفس الوضع ينطبق على (مدينة علي عبد الفتاح السكنية للطالبات)، الواقعة قرب الإذاعة بامدرمان، وهي عبارة عن مجمع سكني ضخم للطالبات، وبها محطة معالجة وأحواض شيدت على ما أذكر في عهد الوزير (شرف الدين بانقا)، لكن المحطة لم تستطع استيعاب الصرف الصحي الكبير للمدينة الطلابية التي تضم آلاف الطالبات، ولذلك يتم ضخ المياه القادمة في ميدان البحيرة خلف الإذاعة السودانية ومنها للنيل الأبيض مباشرة قرب محطة مياه بيت المال.. وبالطبع هذا التصرف يمكن أن يتسبب في كارثة بيئية، لأن مياه الصرف الصحي تختلط بمياه النيل وتسحبها مضخات محطة بيت المال لتضخها في شبكة المياه ليشربها سكان الأحياء التي تشرب من المحطة المذكورة.

الميناء البري

الميناء البري الخرطوم مثال واضح للعشوائية وسوء التخطيط الذي كان سمة من سمات الإنقاذ..فرغم أنه يستقبل يوميا وعلى مدار الساعة آلاف المسافرين فلا يوجد به شبكة للصرف الصحي، رغم أن شبكة الصرف الصحي لا تبعد عنه سوى حوالي (800) متر فقط، وظل يعتمد على الآبار التي أصبحت غير قادرة على استيعاب العدد الكبير للمسافرين عبره، فطفحت الآبار وأغرقت المنطقة الواقعة شرقه والجزء المتاخم للسوق المحلي، واحيانا يغمر حتى داخله!!.

ومن أمثلة العشوائية والتخبط الذي لازم الانشاءات الكبيرة بالعاصمة، (مستشفى إبراهيم مالك)، بالخرطوم، فقد كان أصلا مركزا صحيا بنفس الاسم، ولاحقا تم رفعه لمستشفى وأصبح بناية ضخمة، ولكن دون مراعاة خدمات الصرف الصحي، والتي كان يفترض توسعتها وعمل محطة ضخ داخل المستشفى تضخ مياه الصرف الصحي الخاصة بالمستشفى في المكب الرئيسي في سوبا، لكن لم يتم ذلك ما يدل على العشوائية.. ووضع المستشفى البيئي الحالي متأزم لضيق سعة نظام الصرف الصحي للمستشفى، والعلاج ممكن لكنه سوف يكلف أموالا طائلة.

من الأمثلة ايضا التي تنم عن عدم تخطيط تميزت بها عقلية الإنقاذ، والعجلة في افتتاح المنشآت المختلفة حتى قبل أن تكتمل، (مجمع عبد الوهاب عثمان) السكني، بمنطقة الفتح الحارة (97)، شمال امدرمان نهاية الثورات.. المجمع السكني التابع لصندوق الإسكان والتعمير، يضم (132) عمارة، كل عمارة بها (4) طوابق، وكل طابق يضم (4) شقق سكنية، بمعنى أن المجمع العملاق يحوي أكثر من (2000) شقة.. وبعد اكتمال أعمال البناء وقبل توافد ساكنيها إليها فكر القائمون على أمر التشييد وأصبحوا يتساءلون: (أين يذهب الصرف الصحي للمجمع؟).. حيث لم يتم تشييد نظام صرف صحي حديث للمجمع ومحطة معالجة، وكان يمكن زراعة حزام شجري لتصريف مياه الصرف الصحي بعد المعالجة.. ولذلك لا يزال المجمع الاستثماري الضخم خاليا على عروشه من السكان، لحين التفكير في نظام للصرف الصحي.

يعلق المهندس (فضل المولى عثمان فضل المولى)، خبير المياه والصرف الصحي على (البلاوي) السابقة:”هناك إشكالية حقيقية في التخطيط العمراني رسم ملامحها عهد الإنقاذ،حيث يفترض تجهيز البنية التحتية اولا، من طرق، ومصارف أمطار، وصرف صحي، وخطوط مياه الشرب، وخطوط الكهرباء، ومن ثم يتم تمليك وتشييد البنايات او الأبراج السكنية التي كانت (موضة) لحكومة الإنقاذ البائدة، لكن وللأسف ذلك لم يتم مثل كل دول العالم المتقدمة عدا سوداننا الحبيب، حيث يتبادر لذهني أن هم الدولة في عهد الإنقاذ كان اولا وأخيرا تحصيل الجبايات ورسوم الاراضي.. كما أن التمدد الأفقي للمباني السائد لدينا في السودان تكلفته عالية في توصيل الخدمات..اما السكن العشوائي فحدث ولا حرج، حيث المراحيض البلدية وقضاء الحاجة في العراء على (الهواء الطلق)، وتوزيع مياه الشرب (الملوثة) بالكاروات، هذه المخالفات والأخطاء كلها مسؤولية الدولة، (إن وجدت)..

من الأخطاء التي لا تغتفر لنظام الإنقاذ البائد قطعه للحزام الأخضر جنوب الخرطوم، والذي كان موجودا منذ الستينيات، وتوزيعه منازل للمواطنين، وهي منطقة الأزهري الحالية.. ومهمته بجانب حماية العاصمة من الرياح الترابية (الكتاحة)، كانت تصرف فيه مياه الصرف الصحي خاصة القادمة من اليرموك الصناعية”.

محطة الشجرة

في هذا المساحة يكشف المهندس (فضل المولى عثمان فضل المولى)، خبير المياه والصرف الصحي، جانبا أكثر خطورة في هذه القضية، بقوله:”أنوه للخطأ الحادث بمحطة مياه الشجرة الواقعة أسفل مكب مياه الصرف الصحي، وهذا يعني أننا نزود المواطنين بمياه قابلة للتلوث، وكان بالإمكان تزويد محطة الشجرة بالمياه الخام من الكلاكلة القلعة مثلا قبل المصب الرئيسي لمياه الصرف الصحي، لكن (تعنت) إدارة مياه الخرطوم أيام الإنقاذ حال دون ذلك، بل أدى لفصلي من الخدمة حينها عندما عارضت ونبهت لخطورة ما يحدث لمياه الشجرة.

وأنني أتساءل: أين (الماستر بلان؟)، فبعد مذبحة الحزام الأخضر جنوب الخرطوم لماذا لم يتم غرس حزام أخضر آخر كبديل له لاستيعاب مياه الصرف الصحي، ام أن خيار ضخها في النيل الأبيض كان الخيار الأمثل؟!!

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English