السيارات الكهربائية في السودان بين الجائز والمفروض

بقلم : د. سماح محمد هاشم أستاذ مساعد في كلية الهندسة جامعة الخرطوم

 هذا المقال يتناول موضوع السيارات الكهربائية في السودان من جانبين، الجانب الأول هو عالم صناعة السيارات في الخارج والاتجاه العالمي نحو السيارات الكهربائية وحتمية التغيير اما الجانب الثاني فهو الوضع الداخلي في السودان من ناحية ندرة الوقود ومشكلة المواصلات. ثم يعرج المقال على مشكلة توفر الكهرباء في السودان والسؤال الذي يطرح نفسه من اين سنوفر الكهرباء للسيارات؟

عالميا هناك اتجاه واضح ومتسارع نحو السيارات الكهربائية من جانب كبار مصنعي السيارات حيث أعلنت عدد من الشركات الكبرى تحولها الكامل الى السيارات الكهربائية بحلول عام 2030 اخرها شركة جاغوار. هذا الانتقال هو انتقال حتمي بسبب لوائح الاتحاد الأوروبي واتفاق باريس التي تقضي على شركات صناعة السيارات بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 15% عام 2021 وبنسبة 37.5% اعتبارا من عام 2030 وهو مطلب سيؤدي الى التراجع السريع في محركات الاحتراق الداخلي في السوق.

تعد شركة تسلا الامريكية هي الشركة الاحدث تقانة في انتاج السيارات الكهربائية ولكن تنافسها الصين بسياراتها رخيصة الثمن وهي الاوسع مبيعا في العالم فبعض أنواعها يباع ب 4500 دولار. شركة فلوكسواجن الألمانية تدرك ان الفشل في مجال انتاج السيارات الكهربائية قد يكون بداية النهاية وبوابة الخروج التدريجي والأكيد من صناعة السيارات فهي تنفق نحو 34 مليار دولار لتصنيع نسخ هجينة من كل سيارات مجموعتها – بورش، بوجاتي، سكودا وغيرها- وأيضا تخطط لأطلاق 70 نموذجا كهربائيا جديدا بحلول 2028.

هناك أيضا تحالف رينو – نيسان – ميتسوبيشي الذي نجح في تطوير عدد من السيارات الكهربائية حيث احتلت رينو –نيسان المركز الثاني في مبيعات السيارات الكهربائية في العام 2020. على الصعيد الإقليمي أعلنت الحكومة المصرية بدء انتاج اول سيارة كهربائية محلية –نصر- الصنع في يوليو من العام المقبل 2022.

هذا الاستعراض للسوق العالمي لصناعة السيارات الكهربائية الغرض منه لفت الانتباه لهذا الاتجاه والاستعداد من قبل السوق المحلي في السودان للتغيير الحتمي من السيارات التقليدية الى السيارات الكهربائية حيث ان السيارة الكهربائية تخفض تلوث الهواء بنسبة 80% وتوفر مصاريف الصيانة وحيث انها محدودة الحاجة للصيانة الدورية مثل السيارة التقليدية. كذلك لا تتطلب السيارة الكهربائية تغيير الموتور لخاص بها او الزيت او المصافي مع ضمان البطارية لمسافة 500 ألف كيلومتر على اقل تقدير.

والسيارة الكهربائية موفرة لنفقات الوقود حيث انها لا تستخدم الوقود ابدا ولكن تشحن بالكهرباء بواسطة محطات شحن سريع او بطيء في المنزل.

حوالي 30 % من الوقود في السودان يذهب لقطاع النقل ومن المعلوم ان هناك ندرة في الوقود مما تسبب في كثير من الازمات الاقتصادية في السودان. دخول مصادر بديلة للطاقة في قطاع النقل يوفر فرصة للخروج من هذه الازمات فمثلا استجلاب اسطول من الحافلات الكهربائية مع وجود محطات شحن كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية في نقاط مختلفة من السودان يخفف من ازمة المواصلات. او حتى على مستوى اقل توفر ركشات او تكتك تعمل بالكهرباء وتشحن بمحطات طاقة شمسية صغيرة عند نقاط التجمع. يمكن ان تتبنى مثل هذه الحلول شركات عربات الأجرة الحديثة التي تعمل بالتطبيقات الالكترونية وتوفر عدد من الحلول التي تخدم قطاعات مختلفة من المواطنين.

ولكن قبل طرح مثل هذه الاقتراحات على شركات القطاع الخاص يجب ان تكون للحكومة رؤية واضحة وخطة محكمة لتشجيع استيراد السيارات الكهربائية وتنظيم عملية الشحن عن طريق توفير محطات شحن تعمل بالطاقة البديلة حتى لا تكون مستهلك جديد للكهرباء.

السيارات الكهربائية تقنية قديمة قدم محركات الاحتراق الداخلي وبعثت من جديد بسبب التقدم المذهل في كفاءة المراكم الكهربائية ولدواعي بيئية أصبح العالم كله مؤمنا بضرورة الاستجابة لها ووضع سياسات واضحة لمعالجتها ونحن في السودان شئنا ام ابينا جزء من المنظومة العالمية ويجب ان تكون لنا سياساتنا وتشريعاتنا التي تواكب ما يحدث في السوق العالمي قبل ان نتفاجأ بوجود السيارات الكهربائية في أسواق السودان دون الاستعداد الكافي من حيث محطات الشحن وقطع الغيار والايدي العاملة المدربة عليها. فاذا توفرت كل هذه العوامل تصبح السيارات الكهربائية نعمة على السودان وإلم تتوفر فستكون نقمة.

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English