حادثة حديقة حيوانات الدندر

  د.  محمد المكي علي البدوي حسينجامعة سنار – كلية الموارد الطبيعية والدراسات البيئية / قسم الحياة البرية

اولا:

مما لابد من توضيحه ان الدندر المدينة (القويسي) هو الاسم الشائع قديما وياتي الاسم (الدندر) من نهر الدنر الرافد والموسمي وسميت به مدينة الدندر وايضا سميت به محمية الدندر القومية عند اعلانها عام 1935 بعد مؤتمر لندن لحماية النباتات والحيوانات الافريقية عام 1933.

ثانيا:

يجب التفريق بين محمية الدندر القومية وهي محمية طبيعية مساحتها 10290 كلم مربع وتقع في حدود ثلاثة ولايات هي سنار، القضارف والنيل الازرق وتعتبر نظاما بيئيا متكاملا يعج بانواع النباتات والاشجار والحيوانات والطيور والزواحف. وبين حديقة حيوانات الدندر التي تقع داخل مدينة الدندر في مساحة جغرافية صغيرة تتبع لادارة محمية الدندر القومية وبها انواع قليلة من الحيوانات أشهرها الأسد   والنعام  والتمساح النيلي والضبع المخطط.

ولان انشاء حدائق الحيوان لها اكثر من غرض, فمنها الاغراض التعليمية والحماية واعادة توطين الحيوانات المهددة والمنقرضة من البرية ومن اغراضها الترفيه والسياحة.

هنالك شروط واجراءات يجب اتباعها عند تصميم حدائق الحيوان اهمها:

سلامة الحيوانات وصحتها وسلامة السياح والزوار

وهذين الشرطين الاثنين يدخل فيهما :

نوع وحجم القفص حيث يختلف نوع وحجم القفص حسب نوع وحجم الحيوان وسلوكه في البرية

نوع المواد المستخدمة  لصنع القفص (بلاستيك حديد او زجاج او انفاق ترابية )

الرعاية البيطرية للحيوانات

اجراءات السلامة من ناحية التصميم للاقفاص وخاصة للحيوانات المفترسة والقرود والصقور الجارحة والثعابين السامة والتماسيح والتي تحتاج لاقفاص من الحديد القوي ومحكمة القفل وفتحات صغيرة

اجراءات السلامة للزوار حيث دائما يكون هنالك حواجزللمسارات  ومسافات حوالي نصف متر تقريبا بين القفص ومسار المشاهدة للزوار حيث يمنع الملامسة المباشرة للقفص وانما تتم المشاهدة خلال الحاجز وهو من اجراءات السلامة المهمة في حدائق الحيوان.

ايضا تشمل اجراءات السلامة بندقية التخدير والصاعق الكهربائي كالعصا الكهربائية.

الاشارات التحذيرية او الاشرطة وذلك لتنبيه الزائر بخطورة الحيوان وعدم اطعام الحيوان او ملامسته خاصة الحيوانات المفترسة كالاسد والضبع والصقور وغيرها.

مما سبق يتضح لنا اهمية الالتزام بشروط انشاء الحدائق لضمان سلامة الحيوانات والزوار الذين تتفاوت اعمارهم من الصغار الي الكبار ومن المتعلمين وغير المتعلمين وكلهم ينشدون المشاهدة والسياحة والترفيه.

وبالرجوع الي الحادثة المؤسف للطفلة البريئة اساور التي راحت ضحية الهجوم الضاري من الاسد بحديقة حيوان الدندر ومن خلال المعلومات التي توفرت ومن التسجيل الصوتي المتداول في الوسائط لدينا ومن خلال مشاهدتنا المباشرة وزياراتنا السابقة لهذه الحديقة التي تسمي عرفيا بحديقة حيوان فانني اوجز في نقاط:

1/ هنالك خلل كبير في تصميم الأقفاص للحيوانات المفترسة من ناحية المساحة وطريقة الصنع فمسافة الفتحات كبيرة للغاية (60 طول و8 عرض) وهي مامكنت الطفلة من ادخال راسها حتي السور الداخلي خلال قفص مجاور فتحاته ( 8سم في 8 سم ) وهو خطا فادح ومميت جدا.

2/ خطا في اجراءات السلامة بعدم وجود حاجزخارجي يمنع الاحتكاك المباشر بقفص الاسد.

3/ خطا بعدم وجود حارس قريب ومعه بندقية تخدير او عصا صاعقة كهربائية تستخدم في مثل هذه الحوادث. وواضح من السرد ان الحراس استخدموا حجارة وطوب لعزل الاسد وهي طريقة بدائية جدا وهو ايضا خطا فادح فقد حاول الأسد مهاجمتهم أيضا وكان يمكن أن يزيد عدد الضحايا.

ولعل من اكبر الاخطاء التي يرتكبها حتي المربين والمدربين والعمال والباحثين الذين يتعاملون من الحيوانات البرية في حدائق الحيوان او المحميات هو الركون الي العلاقة الحميمة التي تنشا بين الحيوان والشخص الذي يتعامل معه من ناحية العناية البيطربة او عمال النظافة او الذين يطعمون الحيوانات او حتي الزوار، فالحيوان البري لايمكن التنبوء ابدا بسلوكه او رد فعله حتي ولو كنت ملازما له منذ ولادته وهو صغير الي ان يكبر لان الغريزة الوحشية والسلوك الفطري يمكن ان يظهر في اي لحظة وهو مالا يمكن للانسان ان يتوقعه حتي في ظل الظروف الطبيعية والحوادث كثيرة في هذا الجانب فمنها حوادث الاسود، حوادث اسماك القرش، حوادث مربي الكوبرا والمهرجين وهي  حوادث قاتلة راح ضحيتها مقربين جدا لهذه الحيوانات.

وفي هذه الحادثة فان التفسير المنطقي هو ان ادخال  الطفلة راسها داخل القفص اعتبره الاسد هجوما عليه وادي الي استثارة الغريزة الوحشية و السلوك الفطري وهو مايعرف في علم السلوك ب ( اليات الاطلاق الفطرية Innate releasing mechanism ) التي تطلق رد الفعل تبعا للمؤثرات الخارجية، فراس الطفلة ودخولها هو المؤثر وهو الذي ادي الي رد الفعل من جانب الاسد فقام بالهجوم تبعا لغريزته الوحشية وان ماتم يعتبر افتراسا حقيقيا كما يحدث في الطبيعة والبرية وليس حادثة عابرة كان يضرب الاسد بقبضته او عضة عابرة لكن ماحدث فعل متتابع لعملية الافتراس من ضرب راس الطفلة وعملية الخنق المميت للقصبة الهوائية للفريسة الي ان فقدت الحياة. ومن هنا يبرز سؤال مهم: هل الأسد كان في حالة جوع؟ فإذا كان كذلك فانه يزيد من حدة السلوك العدواني بجانب الدفاع عن الصغار ولان الحيوان أشرس مايكون في صحبة الصغار.

حقيقة اتاسف جدا لهذا السرد لكن لابد منه حتي ناخذ العبرة وان نتجنب مثل هذه الحوادث التي يكون ضحاياها أبرياء لايعرفون ماكان بانتظارهم.

نتمني ان اكون قد شاركت بعض المعلومات العلمية التي تفيد الجميع وان القصد ليس تقليل من مكانة احد او التشهير ولكن لتعم الفائدة وان نقيم التجارب ونتفادي الاخطاء لتجويد العمل.

فقد راينا ان من واجبنا المهني والاخلاقي ان نجاوب علي اسئلة كثيرة وردتنا.

                                                  

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English