قرأت لكم “التواجد المزدوج”. الوجود أو التواجد المزدوج ظاهرة تطلق على وجود أو تواجد شيء ما (انسان او جماد) في مكانين مختلفين في آنٍ واحد. هناك قصص كثيرة تروى عن قدرة بعض الناس على التواجد بمكانين مختلفين في آن واحد، منهم الساحر (بينتي) الذي قيل أنه شوهد في أواخر القرن الثامن عشر وهو يخرج في نفس اللحظة من بوابتين متباعدتين من بوابات مدينة باريس. وفي استراليا كثرت الاقاويل في عام 1937 عن إمكانية وجود شخص يدعى (لويس روجرز) في مكانين مختلفين في آنٍ واحد. وظاهرة التواجد المزدوج تتردد بكثرة في أدبيات أهل التصوف حيث ينسب لبعض أولياء الله الصالحين كرامة التبدل في الصورة بحيث يظهر الولي بأكثر من صورة في أماكن عدة على سبيل البدل. وقد ألف الإمام السيوطى مؤلفاً في هذه المسألة رد فيه على الذين أنكروا على الأولياء ذلك، أسماه (المنجلى في تطور الولي)، ذكر فيه أن هذه الظاهرة تقع ضمن قسم الجائز الممكن، غير المستحيل. وهي ظاهرة تحدث على ثلاثة أوجه: الوجه الأول، من باب تعدد الصور بالتمثل والتشكل كما يقع ذلك للجان. والثاني، أنه من باب طي المسافة وزوي الأرض من غير تعدد، فيراه الرائيان، كل في بيته وهي بقعة واحدة. وهذا ما يحمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حال وصفه إياه لقريش صبيحة الإسراء . والثالث، أنه من باب عظم جثة الولي بحيث يملأ الكون، فييرى كما يرى القمر من عدة أماكن.
قد يصدق بعض الناس حدوث مثل هذه الظواهر الغريبة والشاذة والخارقة للعادة والمألوف “من قبيل اختصاص الله تعالى بعض عباده بخاصية لنفسه الملكية القدسية”، بينما ينكرها كثيرون، ويعدونها مجرد حكاوى أو شطحات لا تجد قبولاً سوى لدى عوام الناس. ولكن الإيمان بالظواهر الخارقة للعادة والمألوف لبست حكراً على عامة وعوام الناس، فللعلماء حظ وافر في ذلك، فقد قالوا مثلاً في تفسير إمكانية تمتع البعض الإتيان بأعمال خارقة للعادة، أن عالمنا الذي نعيش فيه هو جزء من عالم أكبر (هايبرسبيسHyperspace )، يتكون من الأبعاد الأربعة المحسوسة لدينا (الطول والعرض والارتفاع والزمن) بالإضافة إلى سبعة أبعاد أخرى غير محسوسة لدينا منطوية على نفسها. وأن عالمنا الأكبر يحتوى (بجانب عالمنا) على عوالم أخرى متعددة موازية لعالمنا هذا، وأنه عندما يتداخل أحد هذه العوالم مع عالمنا فإنه يحدث تأثيرات غريبة كتلك التي تتعلق باستشعار حدوث الأشياء قبل وقوعها.
وفكرة العوالم المتعددة والمتوازية قدم لها عالم الفيزياء الياباني “ميشيو كاكو” شرحاً مبسطاً في كتابه “عوالم متوازية”. قال فيه: تصور أن كائنات خرافية تعيش في عالم ذي بعدين فقط (طول وعرض) كسطح منضدة مثلاً. فهذه الكائنات تعيش وهي غير مدركة بوجود بعدٍ مكاني ثالث، يسمى ارتفاع. ولكن إذا ما استطاع أحد أفراد ذلك العالم المسطح من التحليق بضع بوصات فوق سطح المنضدة، يكون بذلك قد قفز في البعد الثالث (الارتفاع) فيتلاشى عن العالم المسطح ويصبح خفياً غير مرئي، ويصبح كأنه غير موجود. ولكن إذا ما قفز ذلك الشخص راجعاً إلى سطح المنضدة مرة أخرى، فإنه سوف يتجسد من حيث لا حيث. وبذلك يصبح ذلك الشخص (خارقاً) بمعايير العالم المسطح.
قبل حوالي القرن توصل العلماء التجريبيون إلى إمكانية وجود الشئ الواحد في مكانين مختلفين في ذات الوقت، وبرهنوا بالتجربة المعملية أن الأشياء على مستوى عالم الذرة وعالم ما دون الذرة (الإليكترونات مثلاُ) يمكن أن توجد في مكانين أو أكثر بل في أعداد لانهائية من الأمكنة في الوقت الواحد، فهي كالأشباح تتجسد تارة في مادة صلبة وتتسامى تارة أخرى وتتلاشى صلابتها وتصبح شئ آخر يجتاز الحجب ويخترق العوائق المادية.
ولكن على مستوى عالمنا المشاهد والمألوف، عالم الناس والأشجار والسحاب، فالأمر مختلف تماماً. فنحن في عالمنا المشاهد محكومين بنوع آخر من القوانين تختلف تماماً عن تلك التي تحكم العالم الذري ودون الذري. وما يحير العلماء هو لماذا يبدو الكون منقسماً بين حقيقتين منفصلتين وغير متوائمتين، حقيقة يمثلها العالم المشاهد وحقيقة أخرى يمثلها العالم الذري ودون الذري غير المشاهد؟ بمعنى إذا كان كل شئ في هذا الكون مركب من ذرات واليكترونات وفوتونات، فلماذا لا نرى تأثيراً للقوانين التي تحكم هذا العالم المتناهي في الصغر في عالمنا الكبير عالم الأشجار والناس والسحاب وفي حياتنا العامة؟ كأن تصير مثلاً ظاهرة التواجد المزدوج التي يمارسها الإليكترون ظاهرة مألوفة في حياتنا، فنرى مثلاً في مباراة لكرة القدم بين قطبي القمة السودانية، نرى الكرة تدخل شباك فريق المريخ في ذات اللحظة التي تلج فيها شباك فريق الهلال؟ أو أن يكون من المألوف رؤية شخص عادي (خلاف الساحر بينتي) يخرج في نفس اللحظة من بوابتين متباعدتين، أو رؤية شخص غير (لويس روجرز) في مكانين متباعدين في ذات الوقت، أو كأن يشاهد الواحد منا طائفاً بالبيت العتيق في ذات اللحظة التي يشاهد فيها وهو مسترخ على عنقريب هباب في حوش منزله؟
يبدو أن المستقبل سيتكشف عن عالم هو أغرب من الخيال، إذ يفترض علماء الفيزياء وجود جسيم ذري دائم التنقل بسرعات تفوق سرعة الضوء (أكثر من 300 ألف كيلومتراً في الثانية الواحدة)، يسمى تاكيون tachyon يتوقعون أن يتمكن الناس في المستقبل البعيد من استغلاله بحيث يقومون بتبديل الذرات المكونة لأجسادهم بهذه الـ”تاكيونات” فيمكنهم ذلك من التنقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء ومن ثم إعادة أجسادهم إلى أوضاعها الطبيعية عقب انتهاء الرحلة. وبذا يمكن أن يتواجد الإنسان في أماكن متعددة في وقت واحد. “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” صدق الله العظيم
… مع تحياتي …
