إعادة البناء تبدأ من البيئة: جامعة النيلين تقود حوارًا علميًا لرسم ملامح سودان مستدام بعد الحرب

في سياق سعيها الحثيث لتوظيف المعرفة العلمية في معالجة التحديات البيئية التي تفاقمت بفعل النزاعات المسلحة، نظّمت جامعة النيلين ورشة علمية نوعية تحت شعار "نحو بيئة مستدامة لسودان ما بعد الحرب

“إعادة البناء تبدأ من البيئة: جامعة النيلين تقود حوارًا علميًا لرسم ملامح سودان مستدام بعد الحر”

في سياق سعيها الحثيث لتوظيف المعرفة العلمية في معالجة التحديات البيئية التي تفاقمت بفعل النزاعات المسلحة، نظّمت جامعة النيلين (عمادة البيئة) ورشة علمية نوعية تحت شعار “نحو بيئة مستدامة لسودان ما بعد الحرب”. وجاءت هذه المبادرة في توقيت بالغ الأهمية، إذ يمر السودان بمرحلة انتقالية حساسة تستدعي تضافر الجهود لإعادة الإعمار، ليس فقط على مستوى البنية التحتية والمؤسسات، بل أيضًا في النسيج البيئي الذي تضرر بشدة بفعل الحرب.

الإفتتاح والكلمات

إفتتح الورشة مدير جامعة النيلين، البروفسير الهادي آدم محمد، الذي ألقى الضوء على الدور المحوري للجامعة كمؤسسة علمية في التصدي للآثار البيئية الناجمة عن النزاعات. وبيّن أن الورشة تسعى إلى تقديم حلول علمية وعملية لمعضلات التدهور البيئي، وتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على الموارد البيئية كجزء لا يتجزأ من بناء مستقبل مستدام.

البروفيسور الهادي ادم محمد .مدير جامعة النيلين

وفي السياق ذاته، أكد الأستاذ سيف الدولة سعيد كوكو، رئيس مجلس إدارة الجامعة، أن السودان كان على مشارف نهضة تنموية قبل أن تعصف به الحرب، مشيرًا إلى أن الأوضاع الراهنة تتطلب حلولًا غير تقليدية تعتمد على البحث العلمي، لا سيما في ظل التحديات البيئية المتراكمة.

محاور النقاش البيئي

أدار النقاش عدد من الخبراء البارزين في مجال البيئة، وتركزت الجلسات على الآثار المباشرة وغير المباشرة للنزاعات المسلحة على البيئة السودانية. وقدّم الدكتور بشرى حامد، رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية بولاية الخرطوم، تحليلًا معمقًا للزيادة المقلقة في معدلات التلوث، متطرقًا إلى التدمير الممنهج للغطاء النباتي، وتلوث مصادر المياه والهواء والتربة، نتيجة غياب الرقابة البيئية الفعالة.

وسلط الضوء على دمار البنية التحتية البيئية، لاسيما المنشآت الصناعية التي كانت تنتج مواد كيماوية ومبيدات، بالإضافة إلى تدهور أنظمة الصرف الصحي، مما ساهم في انتشار الأمراض البيئية.

تنوع المشاركين وثراء النقاش

اتسمت الورشة بتنوع المشاركين، حيث جمعت بين ممثلين لمؤسسات تعليمية وأمنية ومنظمات دولية ووطنية، منها جامعة البحر الأحمر، المجلس الأعلى للبيئة، جهاز المخابرات الوطني، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكالة جايكا اليابانية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني مثل الجمعية السودانية لحماية البيئة، وإعلاميون من أجل البيئة والتنمية المستدامة، ومنظمة “بيئتي”.

هذا التنوع عزز النقاش وساهم في الخروج بتوصيات شاملة تراعي مختلف أوجه الأزمة البيئية.

أهداف استراتيجية للمرحلة القادمة

سعت الورشة إلى تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها:

1. طرح حلول عملية للحد من التلوث بجميع أنواعه (الهوائي، المائي، والتربة).

2. تعزيز الثقافة البيئية لدى المؤسسات والمواطنين.

3. تحفيز الشراكة بين الجهات الحكومية والأهلية.

4. رصد وتحليل الآثار البيئية المترتبة على استخدام الأسلحة في مناطق النزاع.

5. تطوير آليات تنفيذية لضمان استدامة الحلول البيئية.

خارطة طريق بيئية:

توصلت الورشة إلى مجموعة من التوصيات الهامة التي تمثل خارطة طريق نحو التعافي البيئي، من أبرزها:

إعداد خطة استراتيجية وطنية لمعالجة آثار التدهور البيئي.

إنشاء قاعدة بيانات بيئية لرصد الأضرار وتطوير أدوات القياس والتحليل.

مراجعة وتقوية الإطار القانوني البيئي وتعزيز الحوكمة البيئية.

دمج التربية البيئية في المناهج التعليمية.

إجراء تقييمات بيئية إلزامية قبل إطلاق المشاريع التنموية.

تشديد الرقابة على الصناعات التي تستخدم مواد كيميائية ضارة.

تنفيذ برامج توعية بيئية شاملة، خاصة في المناطق المتضررة من الحرب.

  1. إعادة تأهيل المناطق المنكوبة بوسائل صديقة للبيئة.

رفع التوصيات لمجلس السيادة لاعتمادها وتفعيلها على وجه السرعة.

نظرة مستقبلية

أجمع المشاركون على أن التعافي البيئي يجب أن يُدمج بشكل جوهري في مشاريع إعادة الإعمار وبناء السلام. وأكدوا أن مستقبل السودان البيئي مرتبط بمدى الالتزام السياسي والدعم المؤسسي لمبادرات الحماية البيئية. فمعركة ما بعد الحرب ليست فقط في إعادة بناء ما تهدم، بل في ضمان ألا نعيد إنتاج الأزمات نفسها، عبر نموذج تنموي مستدام يضع البيئة في صميم السياسات الوطنية.

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English