تخاطب

محمد أحمد الفيلابي

 

لا حقيقة لارتباط الحكاية الشائعة عن النملة وحبّة القمح بالنبي سليمان، لكن يتواصل تداولها بقصد الإشارة إلى أن للنمل ومختلف الحشرات لغة للتواصل مثلما للبشر. وملخص تلك الحكاية أن حبة قمح  استعصت على نملة صغيرة، فغابت لتأتي بمجموعة من النمل، ليقوم من يراقبها برفع الحبة، بحثت النملات عن الحبة، عندما لم تجدها مضت إلا واحدة، فألقى لها بحبة القمح، ومجدداً حاولت حملها لكنها عجزت. وتكررت عملية إستدعاء الأخريات ورفع الحبة مرات أخرى، فما كان من المجموعة في المرة الأخيرة إلا أن قاموا بالهجوم على النملة المسكينة فأوسعوها عضاً ومضوا.

عثر عالم الحشرات السوداني الدكتور محمد عبد الله الريح، وهو بين طلابه في إحدى رحلات البحث على نحلة متعثرة تحاول أن تطير فلا تقدر. تدارسوا الأمر ليصلوا إلى فرضية أن النحلة ربما تكون قد ضلت طريقها فنفد منها الوقود (العسل) الذي يعينها على الوصول إلى وجهتها. وبعد قليل جاءت نحلة أخرى تطير وتلف في خطوط دائرية إلى أن إقتربت من النحلة المنهكة، فرفعت رأسها بيديها الأماميتين لتفرغ نقطة من سائل أصفر في فمها، فأفاقت لتقوم النحلة المغيثة بحملها، وطارت بها بعيداً، الأمر الذي يفسر أنه لولا أن هناك صوت إستغاثة صدر من النحلة المتعثرة لما جاءها الغوث. ذلك أن أفراد خلية النّحل يتواصلون فيما بينهم لتبادل المعلومات حول أماكن وجود الأزهار، ومصادر الشرب، والأماكن الجديدة المناسبة للتعشيش. ويتمكّن النحل من التواصل بطريقتي، التخاطب الكيميائي عن طريق الفيرمونات، والتخاطب الفيزيائي عن طريق الرقص، حيث يؤدّي النحل الكشّاف أنواعاً مختلفة من الرقص اعتماداً على مدى قرب مصدر الطعام من الخلية. ويشي الرقص الدائري باتّجاه موقع الطعام، بينما تتحدد المسافة وبعدها من الخلية عبر الرقص الاهتزازي.

وتوصل العلماء إلى أن يرقات النحل كذلك تفرز (فيرموناتها) الخاصة لتنبه الشغالات القائمات على رعايتها عن حاجتها للطعام. وإذا ما ازدحمت الخلية فإن الملكة تقوم بإرسال كشافة للبحث عن خلية جديدة، وأثناء عملية الانتقال تفرز الملكة طوال رحلتها فيرموناتها التي تحاول فيه الحفاظ على السرب من التشتت.

يمكننا ملاحظة أنه عندما تلتقي نملتان وجهاً لوجه فإنهما تستخدمان قرون استشعارهما للتعرف إلى بعضهما، ذلك أن لكل نملة رائحة خاصة تدل على العش الذي تنتمي إليه، والوظيفة التي تؤديها في هذا العش. كما أن لكل نملة عدد من الغدد أسفل البطن، تختص كل منها بإيصال رسالة محددة لباقي أفراد السرب. فعندما تعثر إحداها على مصدر للطعام فإنها تفرز مادة على طول مسارها لترشد الأخريات على المكان الصحيح، هذه المادة المفرزة خاصة بمجموعة محددة لا يمكن أن تفهمها مجموعة أخرى إذا مرت عليها.

فهل يمكن تعلم كل ذلك، أم أنه سلوك فطري اختص به الخالق هذه الكائنات؟

 

 

 

5555
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

English